الخيميائي أحمد مجدي: رحلة الإلهام وصناعة المحتوى
بعد زيارة أكثر من سبع عشرة دولة، وتحقيق مليارات المشاهدات عبر مختلف منصات التواصل الاجتماعي، يطل علينا الشاب المصري أحمد مجدي، الذي اشتهر بلقب “الخيميائي”، ليحكي قصة صعوده، ورحلته مع صناعة المحتوى، وما واجهه من تحديات حتى أصبح واحدًا من أبرز الأسماء في هذا المجال على مستوى الوطن العربي.
البدايات: بين الكيمياء والشعر
تخرّج أحمد مجدي في كلية العلوم بجامعة عين شمس، متخصصًا في الكيمياء، غير أنّ شغفه لم يتوقف عند حدود المعادلات والتجارب المخبرية. فمنذ أيام الجامعة، كان مولعًا بالأدب والشعر، واشتهر بين أقرانه بلقب “شاعر الجامعة”. لم يكتفِ بذلك، بل شارك في مسابقات أدبية وتلفزيونية، ووقف أمام الكاميرا ليجرب التقديم، مكتشفًا أنه يجد راحته في مخاطبة الجمهور.
ومن هنا بدأ يبحث عن هوية تجمع بين شغفه بالعلوم وحبه للأدب والتاريخ. وبعد تأمل، وجد ضالته في كلمة “الخيمياء”، وهي التسمية التاريخية لعلم الكيمياء، ليطلق على نفسه لقب “الخيميائي أحمد مجدي”. ومع مرور الوقت، صار هذا اللقب علامة مميزة له على منصات التواصل الاجتماعي.
الانتقال إلى التاريخ والقصص
لم يكن أحمد مجدي يرى انتقاله من الشعر والعلوم إلى التاريخ تحولًا مفاجئًا، بل اعتبره امتدادًا طبيعيًا لشغفه المتعدد. فهو يؤمن أن الإنسان ليس محصورًا في اتجاه واحد، بل يمكن أن يجمع بين ميول عدة. كان التاريخ بالنسبة له مادة ثرية بالقصص، والقصص في نظره وسيلة فعّالة لغرس المعاني، تمامًا كما جاء في القرآن الكريم الذي استخدم السرد القصصي لتوضيح الدروس والعِبر.
ولهذا قرر أن يروي الحكايات التاريخية من قلب الأماكن نفسها، لا من مقعد داخل استوديو. فحين تحدث عن شارع المعز وجامع الأزهر وجامع الحاكم بأمر الله، اصطحب المشاهدين بالكاميرا إلى تلك المواقع ليشاهدوا بأعينهم ما يرويه. هذا الأسلوب البصري الميداني جعل المحتوى أكثر قربًا وتأثيرًا.
البدايات الصعبة ومعاناة الكفاح
بدأ “الخيميائي” من الصفر، حيث ظلّ يصوّر حلقاته عامين كاملين بلا أي دخل مادي. كان يعمل في وظائف مختلفة مثل مندوب الأدوية، والباحث الكيميائي في مصنع، ويقدّم دورات للأطفال في التجارب العلمية، بالإضافة إلى عمله في الدوبلاج والتعليق الصوتي. كل ما كان يجنيه من هذه الأعمال كان يصرفه على شغفه في صناعة المحتوى.
ورغم شغفه، لم يسلم من لحظات اليأس. فقد شعر أحيانًا بأن جهده لا يثمر، خاصة مع صعوبة تحقيق الأرباح على يوتيوب، حيث تحتاج القنوات إلى ملايين المشاهدات كي تحقق دخلاً مستقرًا. ومع ذلك، لم يتوقف، بل واصل محاولاته مدفوعًا بحبه لما يفعل، حتى لو لم يكن يحقق مقابلًا ماديًا.
التحول الكبير: من يوتيوب إلى فيسبوك
في البداية، ركز أحمد مجدي على يوتيوب، لكنه اكتشف أن المنصة تتطلب جهدًا هائلًا وصبرًا طويلًا. وبعد سنتين ونصف من العمل المتواصل دون نتائج ملموسة، قرر تغيير المسار. توجه إلى فيسبوك، حيث وجد تفاعلًا هائلًا لم يكن يتوقعه. في فترة قصيرة، أصبحت مقاطعه تحقق ملايين المشاهدات، حتى تصدر قائمة صناع المحتوى الأكثر مشاهدة على فيسبوك في الوطن العربي.
ويرى أحمد أن الفارق بين المنصتين يعود إلى طبيعة الجمهور؛ فمستخدِم يوتيوب يميل إلى متابعة تفاصيل حياة صانع المحتوى ويكوّن معه علاقة طويلة الأمد، بينما جمهور فيسبوك يبحث عن المعلومة السريعة والجرعة المباشرة من المتعة أو الفائدة.
لحظة الانطلاقة: جبل موسى وسلسلة الأماكن القرآنية
جاءت نقطة التحول الحقيقية عندما صوّر أحمد مجدي حلقة عن جبل موسى في سيناء، حيث ركّز على حقيقة أن هذا المكان هو الوحيد على وجه الأرض الذي تجلّى فيه الله عز وجل. كانت المقدمة صادمة وجذابة في آن واحد، ما جعل الحلقة تحقق خمسة ملايين مشاهدة في يومين فقط، وتضيف نصف مليون متابع جديد لصفحته. ومن هنا أدرك أن الجمهور يتجاوب مع الطرح المختلف، ومع الربط بين المواقع الجغرافية والقصص القرآنية.
بعد ذلك، انطلقت سلسلة “الأماكن التي ورد ذكرها في القرآن الكريم”، وكانت البداية من الأردن حيث صوّر حلقات عن أهل الكهف، وتمثال زوجة لوط، والبحر الميت. هذه الحلقات حققت مشاهدات خيالية، فبعد عشرين يومًا فقط من وجوده في الأردن قفز عدد متابعيه من نصف مليون إلى أكثر من مليوني متابع ونصف على فيسبوك.
لقاءات مؤثرة وتجارب لا تُنسى
من أبرز محطات رحلاته لقاءه بوزير السياحة الأردني الذي كرّمه وأشاد بجهوده، معتبرًا أن ما يقوم به يساهم في الترويج السياحي للأردن. كذلك كانت زيارته للقدس تجربة روحانية استثنائية، وصفها بأنها أجمل بلد زاره على الإطلاق، بما تحمله من عمق تاريخي وديني وحضاري.
زار أحمد فلسطين المحتلة وصلى في المسجد الأقصى، واعتبر تلك اللحظة من أعظم ما مرّ به في حياته. وأكد أن حصوله على الدعوة كان بفضل الله أولًا ثم بدعوات والدته، معتبرًا أنها إحدى المنح الإلهية التي لا تنسى.
أسرار صناعة المحتوى
على مدار سنوات تجربته، استخلص “الخيميائي” عدة قواعد لصناعة المحتوى الناجح، من أبرزها:
- أول ثلاث ثوانٍ في الفيديو تحدد نجاحه، إذ يجب أن تجذب المشاهد فورًا.
- الترابط السردي: أن تنتقل من فكرة إلى أخرى بسلاسة تجعل المتابع متشوقًا للنهاية.
- إثارة الفضول: عبر تقديم معلومة غير مألوفة أو منظور جديد يثير التساؤلات.
- المصداقية: لا يجوز خداع الجمهور بمعلومات كاذبة، بل يجب دعم القول بالصورة والرؤية المباشرة.
- معرفة احتياجات الجمهور: فنجاح أي محتوى يتوقف على تلبية احتياجات الناس، سواء في مجالات الغموض أو المعرفة أو الترفيه.
النجاحات والأرقام
اليوم، يمتلك أحمد مجدي أكثر من عشرة ملايين متابع على منصات التواصل المختلفة، بينهم نحو مليون وسبعمائة ألف على يوتيوب، وستة ملايين تقريبًا على فيسبوك، ومليونان ونصف على تيك توك. كما حققت بعض مقاطعه مئات الملايين من المشاهدات، منها فيديو على يوتيوب تجاوز 100 مليون مشاهدة.
ويؤكد أن هذه الأرقام لم تأتِ بسهولة، بل بعد سنوات من الجهد، والتجريب، والتغيير المستمر حتى يصل إلى الأسلوب الأمثل الذي يجذب الجمهور ويحقق له الاستمرارية.
طموحات المستقبل
يحلم “الخيميائي” بزيارة أماكن جديدة مليئة بالغموض والتاريخ، مثل جزيرة سقطرى في اليمن بما تحمله من طبيعة فريدة وأحداث ارتبطت بقصص قرآنية كقصة ملكة سبأ وأصحاب الجنتين. وهو يرى أن صناعة المحتوى ليست مجرد مهنة، بل رسالة لإيصال المعرفة وربط الناس بجذورهم التاريخية والإنسانية.
خاتمة
قصة أحمد مجدي “الخيميائي” هي تجسيد لحلم شاب لم يستسلم لليأس، بل حوّل شغفه إلى رسالة مؤثرة تصل إلى الملايين. جمع بين العلم والأدب والتاريخ، وأثبت أن صناعة المحتوى ليست ترفًا، بل يمكن أن تكون جسرًا للتثقيف والتأثير والإلهام. وكما قال في ختام إحدى حلقاته: “وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين”.
للاطلاع على كافة التفاصيل يمكنكم مشاهدة الحلقة على قناتنا باليوتيوب مع ضيفنا أحمد مجدي
لا تعليق